عملة البريكس المحتملة هل تشكل تهديدا لهيمنة الدولار الأمريكي؟
يشكل انضمام المملكة العربية السعودية إلى كتلة البريكس تحديًا لهيمنة الدولار على التجارة العالمية، ولو على المدى الطويل فقط.
قالت البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا في اجتماعها الأخير الذي تم عقده في أغسطس، إنها ستوسع مجموعة الأسواق الناشئة لتنضم إليها الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة فى بداية العام القادم.
تم تصميم هذا التوسع لتوفير ثقل موازن لمجموعة السبع للاقتصادات المتقدمة التي تركز على الغرب، مع حرص الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بشكل خاص على استخدام ثقل مجموعة البريكس لإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي.
إن إضافة المملكة العربية السعودية ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، إلى جانب زملائها المصدرين للطاقة إيران والإمارات العربية المتحدة، سيركز حتما النقاش على استخدام العملات غير الدولار في التجارة.
تمثل إضافة دول الشرق الأوسط للكتلة الموسعة ما يقرب من 42% من إنتاج النفط الخام العالمي وذلك مع اضافة المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وبالنظر إلى طموحات دول البريكس في التخلص من الدولار والبدء فغفي تداول عملة خاصة بها، فمن المؤكد أنه سيكون هناك تكهنات متزايدة بأن هذه الخطوة الأخيرة قد تؤدي إلى تحول المملكة العربية السعودية بشكل متزايد إلى عملات غير مقومة بالدولار في تجارة النفط.
قد يكون من المنطقي بالنسبة للبعض أن تبدأ المملكة العربية السعودية في قبول اليوان من الصين والروبية من الهند، وقد كان هناك الكثير من الضجيج والمناقشات بين المملكة العربية السعودية والصين حول هذه المسألة في الآونة الأخيرة.
في حين أن إضافة المملكة العربية السعودية ودول أخرى إلى مجموعة البريكس قد يشجع مناقشة إلغاء الدولار، فإن أي عملية من هذا القبيل سوف تستغرق وقتا طويلا للغاية، نظرًا لأن الريال السعودي مرتبط بالدولار الأمريكي، فقد يجعل ذلك السعودية حذرة من الابتعاد عن العملة الأمريكية لأغراض التجارة، علاوة على ذلك، لا تشكل الطاقة سوى 15% من التجارة العالمية، كما أن تسعير السعودية لصادرات النفط إلى الصين والهند بعملات غير الدولار لا يعني نهاية الدولار باعتباره العملة الدولية المفضلة.
ما مدي تأثير اطلاق البريكس لعملة موحدة؟
حظيت المناقشات المتعلقة باحتمال إنشاء عملة احتياطية جديدة لدول البريكس باهتمام كبير خلال هذا العام، كما أن فهم العواقب المترتبة على مثل هذا التطور بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة سيصبح أمراً بالغ الأهمية.
ونظراً للتأثير الكبير الذي تتمتع به دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ) في المشهد المالي العالمي، فإن إطلاق عملتها الموحدة من شأنه أن يغير الديناميكيات بشكل لا يمكن إنكاره، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى تعزيز التكامل الاقتصادي داخل دول البريكس، والحد من نفوذ الولايات المتحدة على نطاق عالمي، وربما إضعاف مكانة الدولار الأمريكي باعتباره عملة احتياطية عالمية سائدة.
1 .تعزيز التكامل الاقتصادي داخل دول البريكس
لا شك أن عملة البريكس الموحدة من شأنها أن تعزز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء فيها، ومن الممكن أن تؤدي تعزيز سهولة التجارة والمعاملات عبر الحدود إلى تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز العلاقات والشراكات الأقوى داخل مجتمع البريكس.
2 .الحد من نفوذ الولايات المتحدة على الساحة العالمية
إن القوة التي يتمتع بها الدولار الأمريكي في الشؤون الدولية عميقة، وقد يؤدي إطلاق عملة البريكس إلى إضعاف هذه الهيمنة، مما يشكل تحديًا لقدرة الولايات المتحدة على استغلال قوتها الاقتصادية كأداة للتأثير الجيوسياسي.
وفي حين أن العملة الاحتياطية لمجموعة البريكس قد تعمل على خلق تحديات للولايات المتحدة من حيث تضاؤل النفوذ العالمي، فإنها يمكن أن تكشف أيضًا عن سبل جديدة للتجارة والاستثمار مع دول البريكس، مما يعزز النمو المتبادل.
3 .إضعاف مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية
إذا اختارت دول البريكس الاحتفاظ بأجزاء كبيرة من احتياطياتها الأجنبية بعملتها الجديدة، فقد يتراجع الطلب على الدولار الأمريكي، وقد يؤدي هذا التحول إلى انخفاض قيمة الدولار وتغيير ديناميكيات التجارة العالمية.
4 .اقتصاد عالمي كبير متعدد الأقطاب
ومن الممكن أن يشهد العالم تحولاً نحو هيكل اقتصادي أكثر تعددية للأقطاب، ومن شأن عملة البريكس أن تعمل على تنويع خيارات العملة الاحتياطية، مما يمهد الطريق لنظام مالي عالمي أكثر توازنا وإنصافا.
ومع التوسع المحتمل لمجموعة البريكس لتشمل المزيد من الدول، فإن نفوذها الاقتصادي والسياسي مهيأ للتوسع بشكل أكبر، وقد يؤدي مثل هذا التوسع إلى زيادة تحدي الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة.
قد يؤدي ظهور عملة مجموعة البريكس أيضًا إلى إعادة هيكلة الأنظمة المالية العالمية، ومن إعادة تشكيل الاتفاقيات التجارية إلى التأثير على عمليات المؤسسات المالية العالمية، يمكن أن تكون التداعيات متعددة الأوجه.
5 .تداعيات محتملة للديون المقومة بالدولار
وقد تجد الدول التي تتحمل ديوناً كبيرة مقومة بالدولار وسيلة لتخفيف أعبائها من خلال عملة مجموعة البريكس، ومع ذلك، فإن التقلبات المحتملة في قيمة العملة الجديدة يمكن أن تؤدي أيضًا إلى مخاطر.
الدولار الأمريكي قد يواجه تهديداً وجودياً
وعلى الساحة العالمية يهيمن الدولار الأمريكي ويشارك في 90% من جميع معاملات الصرف الأجنبي وما يقرب من نصف التجارة العالمية، وتشكل الأصول الدولارية نحو 60% من احتياطيات العملات العالمية ويحتل اليورو (أقل من 20%) المركز الثاني على مسافة بعيدة.
وعلى الرغم من انخفاض حصة الدولار في الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية، إلا أنه يظل عنصراً أساسياً في التمويل الدولي، وعلى الرغم من أن الدولار الأمريكي يمثل حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وما يقرب من نصف التجارة العالمية، إلا أن حصة الدولار في الأسواق العالمية أكبر بكثير، على سبيل المثال: يشارك الدولار الأمريكي في ما يقرب من 90% من أحجام معاملات العملات الأجنبية و50% من فواتير التجارة، و42% من مدفوعات SWIFT، وعلى الرغم من الانخفاض التدريجي في حصة احتياطيات العملات الأجنبية العالمية إلا إنه من المرجح أن يظل الدولار الوسيلة الأساسية للتجارة الدولية.
وهذا يضع الاقتصاد الأمريكي في وضع فريد ومتميز، وبما أن التجارة الدولية مقومة إلى حد كبير بالدولار، فإن الشركات الأمريكية تستطيع الشراء والبيع دون تكلفة معاملات الصرف الأجنبي مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة، كما تنجو الشركات الأمريكية من مخاطر أسعار الصرف التي تؤثر على الربحية والتي تنشأ مع تغير القيم النسبية للعملات.
تاريخياً، كان الطلب المرتفع على الأوراق المالية الأميركية المقومة بالدولار سبباً في السماح للحكومة الأميركية بتحمل عجز ضخم في حين تتمتع بأسعار فائدة منخفضة، وهو يحمل أيضاً نفوذاً سياسياً: فالتهديد بالاستبعاد من الشبكة المصرفية القائمة على الدولار من الممكن أن يكون بمثابة أداة قوية في السياسة الخارجية.
ولكن الحكومة الفيدرالية تصطدم السوق مرة أخرى بسقف ديونها، ويعتبر سيناريو تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها من شأنه أن يؤدي إلى سلسلة من الأحداث، بما في ذلك انخفاض قيمة الدولار وارتفاع التضخم، والتي ستؤدي على الأرجح إلى التخلي عن الدولار الأمريكي كعملة عالمية، لكن هذا السيناريو غير محتمل إلى حد كبير.
لكن الدولار يواجه أيضاً تهديداً وجودياً أكبر من المنافسين الدوليين، هناك احتمال أن يؤدي النشاط المتزايد في مجموعة البريكس التي تضم الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية إلى “التخلص من الدولار” في تجارة الطاقة العالمية وذلك من خلال العمل على انشاء عملة جديدة.
ومع ذلك، فإن التجارة بين الصين وروسيا والشرق الأوسط (على الرغم من نموها) تمثل 2% فقط من التجارة العالمية، ويعتقد المحللون أن معظم التجارة لا تزال تحدث بين الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، وسوف تستمر الولايات المتحدة في الهيمنة عليها وبالتالي سيبقي الدولار العملة المهيمنة.